نفحات إيمانية: حقوق الزوج في الإسلام
حمادة السعيد -
الأسرة هي أساس المجتمع، لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطوات تسير عليها وحقوقا تحترم من جميع أعضائها. ولما كانت الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الصالح الذي ينعم بنور الإيمان فقد وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- شروطا وبين ضوابط لاختيار الزوجين وبعد قيام الزوجين باستيفاء شروط الاختيار وعقد النكاح تبدأ جملة من الحقوق والواجبات تجاه كل منهما للآخر ومنها حقوق الزوج على زوجته.
جاء في كتاب «النكاح والطلاق أو الزواج والفراق» لجابر بن أبي بكر الجزائري: إن للزوج حقوقا على زوجته وهي الطاعة في المعروف أما في معصية الله ورسوله فلا طاعة له عليها إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وتلك «قاعدة عامة». ثم حفظ ماله وصون عرضه، أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه، وذلك لقول الله تعالى: «حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ» سورة النساء آية 34، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «خير النساء إذا نظرت إليها أسرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك». وكذلك السفر معه إذا شاء ذلك ولم تكن قد اشترطت عليه في العقد عدم السفر بها. وتسليم نفسها متى طلبها للاستمتاع بها، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح». ومن حقوق الزوج على زوجته استئذانه في الصوم إذا كان حاضرًا غير مسافر، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد أي حاضر إلا بإذنه» وذلك في صوم التطوع.
وجاء في شرح كتاب «رياض الصالحين»: لما ذكر النووي -رحمه الله- حقوق الزوجة على زوجها؛ ذكر حقوق الزوج على زوجته، ثم استدل بقوله الله تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ» سورة النساء آية 34.
ثم بين سبب هذه القوامة والولاية التي جعلها الله، فقال: (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) حيث فضل الرجل على المرأة في العقل والدين والقدرة والقوة وغير ذلك من وجوه الفضائل، والشريعة كلها عدل، تعطي كل أحد ما يستحقه بمقتضى فضله، فإذا كان الله قد فضل الرجال على النساء؛ فإنهم هم القوامون عليهن، وفي هذا لا يدرين الواقع على فضل جنس الرجال على النساء، وأن الرجال أكمل وأفضل وأولى بالولاية من المرأة، ولهذا لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: مات كسرى وتولى الأمر بعده امرأة قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وهذا الحديث إن كان يعني هؤلاء الفرس الذين نصبوا عليهم امرأة؛ فهو يعنيهم ولكن غيرهم مثلهم، وإن كان عاما فهو عام، لن يفلح قوم ولوا على أمرهم امرأة، فالرجل هو صاحب القوامة على المرأة، فالحاصل أن الرجال هم القوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، وهذا وجه آخر للقوامة على النساء، وهو أن الرجل هو الذي ينفق على المرأة، وهو المطالب بذلك، وهو صاحب البيت، وليس المرأة هي التي تنفق.
وهذه إشارة إلى أن أصحاب الكسب الذين يكسبون ويعملون هم الرجال، أما المرأة فصناعتها بيتها، تبق في بيتها تصلح أحوال زوجها، وأحوال أولادها، وأحوال البيت، هذه وظيفتها، أما أن تشارك الرجال بالكسب وطلب الرزق ثم بالتالي تكون هي المنفقة عليه؛ فهذا خلاف الفطرة وخلاف الشريعة، فالله تعالى يقول: (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) فصاحب الإنفاق هو الرجل.
قال الله تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّه) فالصالحات قانتات أي مديمات للطاعة، الصالحة تقنت ليس معناها: الدعاء بالقنوت؛ بل القنوت دوام الطاعة كما قال تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة: 238. أي مديمين لطاعته (قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) يعني: يحفظن سر الرجل وغيبته وما يكون داخل جدرانه من الأمور الخاصة، وتحفظه بما حفظ الله، أي بما أمر الله تعالى بحفظه فهذه هي الصالحة، ثم ذكر المؤلف- رحمه الله- فيما نقله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح». ولعن الملائكة يعني أنها تدعو على هذه المرأة باللعنة، واللعنة هي الطرد والإبعاد عن رحمة الله، فإذا دعاها إلى فراشه ليستمتع بها بما أذن الله له فيه فأبت أن تجيء، فإنها تلعنها الملائكة والعياذ بالله، أي تدعو عليها باللعنة إلى أن تصبح.
اللفظ الثاني: أنها إذا هجرت فراش زوجها، فإن الله تعالى يغضب عليها حتى يرضى عنها الزوج، وهذا أشد من الأول؛ لأن الله سبحانه وتعالى إذا سخط؛ فإن سخطه أعظم من لعنة الإنسان، نسأل الله العافية.
ودليل ذلك أن الله تعالى ذكر في آية اللعان أنه إذا لاعن الرجل يقول: (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) النور: 7، والمرأة إذا لاعنت تقول: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [النور: 9، وهذا يدل على أن الغضب أشد، وهو كذلك.
ويقول الشيخ أبو إسحاق الحويني: للزوج على الزوجة حقوق مختلفة ينبغي للزوجة القيام بها، فلا يجوز لها أن تخرج من بيت زوجها بغير إذنه، ولا تُدْخل أحداً بيته إلا بإذنه، كما يجب عليها أن تهيئ له البيت ليكون سكناً له، يأوي إليه بعد يوم حافل بالأعمال والسعي في فجاج الأرض طلباً للرزق، كما أن على الزوج إعانة زوجته في أعمال المنزل، وخير أسوة لنا في ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما جاء ذلك عن عائشة رضي الله عنها.
وجاء في تفسير الروح والريحان لمحمد الأمين: قوله تعالى:(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ). والمراد بالقيام: الرياسة التي يتصرف فيها المرؤوس بإرادة الرئيس واختياره؛ إذ لا معنى للقيام إلا الإرشاد والمراقبة في تنفيذ ما يرشد إليه وملاحظة أعماله، ومن ذلك حفظ المنزل، وعدم مفارقته إلا بإذنه، ولو لزيارة القربى وتقدير النفقة فيه، فهو الذي يقدرها بحسب ميسرته، والمرأة هي التي تنفذ على الوجه الذي يرضيه ويناسب حاله سعة وضيقًا.
ولقيام الرجل بحماية المرأة وكفايتها ومختلف شؤونها يمكنها أن تقوم بوظيفتها الفطرية، وهي الحمل والولادة وتربية الأطفال، وهي آمنة في سربها، مكفية ما يهمها من أمور أرزاقها. ثم فصل حال النساء في الحياة المنزلية، التي تكون المرأة فيها تحت رياسة الرجل، فذكر أنها قسمان: قسم صالحات مطيعات، وقسم عاصيات متمردات، فذكر القسم الأول بقوله: (فَالصَّالِحَاتُ)؛ أي: فالنساء اللاتي يراعين حقوق الله وحقوق العباد. وهذه الحقوق للزوج على زوجته تقابلها مجموعة من الواجبات أو حقوق للزوجات سنفصلها بعد ذلك.